الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
ويؤيده أن يشعركم ويدريكم عنى. وكثيرًا ما تأتي لعل بعد فعل الدراية نحو {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} [عبس: 3] وأن في مصحف أبي رضي الله تعالى عنه {وَمَا أَدْرَاكَ} والكلام على هذا قد تم قبل {يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} والمفعول الثاني ليشعركم محذوف والجملة استئناف لتعليل الإنكار وتقديره أي شيء يعلمكم حالهم وما سيكون عند مجيء ذلك لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فما لكم تتمنون مجيئها فإن تمنيه إنما يليق بما إذا كان إيمانهم بها متحقق الوقوع عند مجيئها لا مرجو العدم. ومن الناس من زعم أن {أَنَّهَا} إلخ جواب قسم محذوف بناء على أن أن في جواب القسم يجوز فتحها ولا يخفي بعده.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب {أَنَّهَا} بالكسر على الإستئناف حسا سيق مع زيادة تحقيق لعدم إيمانهم. قال في الكشف: وهو على جواب سؤال مقدر على ما ذكره الشيخ ابن الحاجب كأنه قيل لم وبخوا؟ فقيل لأنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولك أن تبنيه على قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} أي بما يكون منهم فإنه إبراز في معرض المحتمل كأنه قد سئل عنه سؤال شاك ثم علل بأنها إذا جاءت جزمًا بالطرف المحالف وبيانًا لكون الاستفهام غير جار على الحقيقة. وفيه إنكار لتصديق المؤمنين على وجه يتضمن إنكار صدق المشركين في المقسم عليه. وهذا نوع من السحر البياني لطيف المسلك انتهى.وقرأ ابن عامر وحمزة {لاَ تُؤْمِنُونَ} بالفوقانية والخطاب حينئذ في الآية للمشركين بلا خلاف. وقرئ {وَمَا ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فمرجع الإنكار إقدام المشركين على الحلف المذكور مع جهلهم بحال قلوبهم عند مجيء ذلك وبكونها حينئذ كما هي الآن. وقرئ {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} بسكون خالص واختلاس. وضمير {بِهَا} على سائر القراءات راجع للآية لا للآيات لأن عدم إيمانهم عند مجيء ما اقترحوه أبلغ في الذم كما أن استعمال إذا مع الماضي دون أن مع المستقبل لزيادة التشنيع عليهم. وزعم بعضهم أن عدوه للآيات أولى لقربه مع ما فيه من زيادة المبالغة في بعدهم عن الإيمان وبلوغهم في العناد غاية الإمكان.
{لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] لعظم ما أتوا به {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء} وهو المحجوبون {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بكافرين} [الأنعام: 89] وهم العارفون بالله عز وجل الذين هم خزائن حقائق الإيمان. وفي الخبر «لا يزال طائفة من أمتي قائمين بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه وهم على ذلك» {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ} وهو آداب الشريعة والطريقة والحقيقة {اقتده} [الأنعام: 90] أمر له صلى الله عليه وسلم أن يتصف بجميع ما تفرق فيهم من ذلك الهدى وكان ذلك على ما قيل في منازل الوسائط، ولما كحل عيون أسراره بكحل الربوبية جعله مستقلًا بذاته مستقيمًا بحاله وأخرجه من حد الإرادة إلى حد المعرفة والاستقامة ولذا أمره عليه الصلاة والسلام بإسقاط الوسائط كما يشير إليه قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى} [الأعراف: 203] مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي». وقال بعض العارفين: ليس في هذا توسيط الوسائط لأنه أمر بالاقتداء بهداهم لا بهم. ونظيره {أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} [النحل: 123] حيث لم يقل سبحانه أن أتبع إبراهيم {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته {إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَيْء} [الأنعام: 91] أي لم يظهر من علمه وكلامه سبحانه على أحد شيئًا وذلك لزعمهم البعد من عباده جل شأنه وعدم إمكان ظهور بعض صفاته على مظهر بشري ولو عرفوا لما أنكروا ولا اعتقدوا أنه لا مظهر لكمال علمه وحكمته إلا الإنسان الكامل بل لو ارتفع الحول عن العين لما رأوا الواحد إثنين {وهذا كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ} لما فيه من أسرار القرب والوصال والتشويق إلى الحسن والجمال بل منه تجلى الحق لخلقه لو يعلمون. {مُّصَدّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} من التوراة والإنجيل لجمعه الظاهر والباطن على أتم وجه {وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى} وهي القلب {وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] من القوى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} كمن ادعى الكمال والوصول إلى التوحيد والخلاص عن كثرة صفات النفس وزعم أنه بالله عز وجل وأنه من أهل الإرشاد وهو ليس كذلك {أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء} كمن سمى مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحيا فيضًا من الروح القدسي فتنبأ لذلك {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله} كمن تفرعن وادعى الألوهية {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون} وهم هؤلاء الأصناف الثلاثة {فِى غَمَرَاتِ الموت} الطبيعي {والملئكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظ يقولون {أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} تغليظًا وتعنيفًا عليهم {اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} [الأنعام: 93] والصغار لوجود صفات نفوسكم وهيآتها المظلمة وتكاثف حجاب أنانيتكم وتفرعنكم {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} أي منفردين مجردين عن كل شيء بالاستغراق في عين جميع الذات {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94] عند أخذ الميثاق.{إِنَّ الله فَالِقُ الحب} أي حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف {والنوى} أي نوى النفس بنور القلب عن الأخلاق والمكارم أو فالق حبة المحبة الأزلية في قلوب المحبين والصديقين ونوى شجر أنوار الأزل في فؤاد العارفين فتثمر بالأعمال الزكية والمقامات الشريفة والحالات الرفيعة {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} أي العالم به من الجاهل {مُخْرَجَ الميت مِنَ الحى} [الأنعام: 95] أي الجاهل به من العالم أو يخرج حي القلب عن ميت النفس تارة باستيلاء نور الروح عليها ومخرج ميت النفس عن حي القلب أخرى بإقباله عليها واستيلاء الهوى وصفات النفس عليه {فَالِقُ الإصباح} أي مظهر أنوار صفاته على صفحات آفاق مخلوقاته أو شاق ظلمة الإصباح بنور الإصباح وذلك لأن بحر العدم كان مملوءًا من الظلمة فشقه بأن أجرى فيه جدولًا من نوره حتى بلغ السيل الزبى وقال الإمام «فالق ظلمة العدم بصباح التكوين والإيجاد وفالق ظلمة الجمادية بصباح العقل والحياة والعقل والرشاد وفالق ظلمة الجهالة بصباح الإدراك وفالق ظلمة العالم الجسماني بتخليص النفس القدسية إلى صبحة عالم الأفلاك وفالق ظلمة الإشتغال بعالم الممكنات بصباح نور الاستغراق في معرفة مدبر المحدثات والمبدعات»، وقال بعض العارفين المعنى فالق ظلمة صفات النفس عن القلب بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها {وَجَعَلَ اليل} أي ليل الحيرة في الذات البحت {سَكَنًا} تسكن إليه أرواح العاشقين كما قال قائلهم: أو جاعل ظلمة النفس سكن القلب يسكن إليها أحيانًا للارتفاق والاسترواح أو سكنا تسكن فيه القوى البدنية وتستقر عن الاضطراب كما قيل {والشمس} أي شمس تجلي الصفات {والقمر} أي قمر تجلي الأفعال {حُسْبَانًا} [الأنعام: 96] أي علمي حساب الأحوال حيث يعتبر بهما أو شمس الروح وقمر القلب محسوبين في عداد الموجودات الباقية الشريفة معتدًا بهما. أو علمي حساب الأوقات والأحوال {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم} أي المرشدين أو نجوم الحواس {لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظلمات البر} وهو علم الآداب {والبحر} [الأنعام: 97] وهو علم الحقائق أو المعنى لتهتدوا بها في ظلمات بر الأجساد إلى مصالح المعاش وبحر العلوم باكتسابها بها {وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم} أي أظهركم {مّن نَّفْسٍ واحدة} وهي النفس الكلية {فَمُسْتَقَرٌّ} في أرض البدن حال الظهور {وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: 98] في عين جمع الذات {وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} أي من سماء الروح ماء العلم {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْء} أي كل صنف من الأخلاق والفضائل {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ} أي النبات {خُضْرًا} زينة النفس وبهجة لها {نُّخْرِجُ مِنْهُ} أي الخضر {حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} أي أعمالا مترتبة شريفة ونيات صادقة يتقوى القلب بها {وَمِنَ النخل} أي نخل العقل {مِن طَلْعِهَا} أي من ظهور تعلقها {قنوان} معارف وحقائق {دَانِيَةٌ} قريبة التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية {وجنات مّنْ أعناب} وهي أعناب الأحوال والأذواق ومنها تعتصر سلافة المحبة. {والزيتون} أي زيتون التفكر {والرمان} أي رمان الهمم الشريفة والعزائم النفيسة {مُشْتَبِهًا} كما في أفراد نوع واحد {وَغَيْرَ متشابه} كنوعين وفردين منهما مثلًا {انظروا إلى ثَمَرَةٍ إِذَا أَثْمَرَ} أي راعوه بالمراقبة عند السلوك وبدأ الحال {وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99] وهو كماله عند الوصول بالحضور {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن} أي جن الوهم والخيال حيث أطاعوهم وانقادوا لهم {وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ} افتروا {لَهُ بَنِينَ} من العقول: {وَبَنَاتُ} من النفوس يعتقدون أنها لتجردها مؤثرة مثله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} منهم أنها أسماؤه وصفاته لا تؤثر إلا به جل شأنه {سبحانه وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100] من تقيده بما قيدوه به جل شأنه {لاَّ تُدْرِكُهُ الابصار} قال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب الحادي والعشرين وأربعمائة: يعني من كل عين من أعين الوجوه وأعين القلوب فإن القلوب ما ترى إلا بالبصر وأعين الوجوه لا ترى إلا بالبصر فالبصر حيث كان به يقع الإدراك فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ويسمى في الظاهر بصر العين والعين في الظاهر محل للبصر والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه فاختلف الاسم عليه وما اختلف هو في نفسه فكما لا تدركه العيون بأبصارها لا تدركه البصائر بأعينها، وورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم» فاشتركنا في الطلب مع الملأ الأعلى واختلفنا في الكيفية فمنا من يطلبه بفكره والملأ الأعلى له العقل وما له الفكر، ومنا من يطلبه به وليس في الملأ الأعلى من يطلبه به لأن الكامل منا هو على الصورة الإلهية التي خلقه الله تعالى عليها فلهذا يصح ممن هذه صفته أنه يطلب الله تعالى به ومن طلبه به وصل إليه فإنه لم يصل إليه غيره وأن الكامل منا له نافلة تزيد على فرائضه إذا تقرب العبد بها إلى ربه أحبه فإذا أحبه كان سمعه وبصره فإذا كان الحق بصر مثل هذا العبد رآه وأدركه ببصره لأن بصره الحق فما أدركه إلا به لا بنفسه وما ثم ملك يتقرب إلى الله تعالى بنافلة بل هم في الفرائض وفرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم فليس لهم مقام ينتج أن يكون الحق بصرهم حتى يدركوه به فهم عبيد اضطرار ونحن عبيد اضطرار من فرائضنا وعبيد اختيار من نوافلنا إلى آخر ما قال، وهو صريح في أن بعض الأبصار تدركه لكن من حيثية رفع الغيرية.وقال في الباب الرابع عشر وأربعمائة بعد أن أنشد: فإذا رآه سبحانه الرائي كفاحًا فما يراه إلا حتى يكون الحق جل جلاله بصره فيكون هو الرائي نفسه ببصره في صورة عبده فأعطته الصورة المكافحة إذا كانت الحاملة للبصر ولجيمع القوى إلخ. وقال في الباب الحادي وأربعمائة بعد أن أنشد: إن كل مرئي لا يرى الرائي إذا رآه منه إلا قدر منزلته ورتبته فما رآه وما رأى إلا نفسه ولولا ذلك ما تفاضلت الرؤية في الرائين إذ لو كان هو المرئي ما اختلفوا لكن لما كان هو سبحانه مجلي رؤيتهم أنفسهم لذلك وصفوه بأنه جل شأنه يتجلى ولكن شغل الرائي برؤية نفسه في مجلى الحق حجبه عن رؤية الحق فلو لم تبد للرائي صورته أو صورة كون من الأكوان را كان يراه فما حجبنا عنه إلا رؤية نفوسنا فيه فلو زلنا عنا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى بزوالنا من يراه وإن نحن لم نزل فما نرى إلا نفوسنا فيه وصورنا وقدرنا ومنزلتنا فعلى كل حال ما رأيناه وقد نتوسع فنقول: قد رأيناه ونصدق كما أنه لو قلنا رأينا الإنسان صدقنا في أن نقول رأينا من مضى من الناس ومن بقي ومن في زماننا من كونهم إنسانًا لا من حيث شخصية كل إنسان ولما كان العالم أجمعه وآحاده على صورة حق ورأينا الحق فقد رأيناه وصدقنا وإذا نظرنا في عين التمييز في عين عين لم نصدق إلى آخر ما قال.وفي ذلك تحقيق نفيس لهذا المطلب، ومنه يعلم ما في قول بعضهم {لاَّ تُدْرِكُهُ الابصار} لغاية ظهوره سبحانه: {وَهُوَ اللطيف} إذ لا ألطف كما قال الشيخ الأكبر قدس سره من هوية تكون عين بصر العبد {الخبير} [الأنعام: 103] أي العليم خبرة أنه بصر العبد {والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ} [البروج: 20] و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] وعن الجنيد قدس سره اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذاء وجعل لك الولاية بالبلوى. ويحرسك وأنت في لظى. ويدخلك جنة المأوى. وقال غيره: اللطيف إن دعوته لباك وإن قصدته آواك، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافك. وان أغضبته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك. وإن أقبلت إليه هداك وإن عصيته راعاك. وهو كلام ما ألطفه {قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} وهي صور تجليات صفاته. وقال بعض العارفين: إنها كلماته التي تجلى منها لذوي الحقائق وبرزت من تحت سرادقاتها أنوار نعوته الأزلية {فَمَنْ أَبْصَرَ} واهتدى {فَلِنَفْسِهِ} ذلك الإبصار أي أن ثمرته تعود إليه {وَمَنْ عَمِىَ} واحتجب عن الهدى {فَعَلَيْهَا} عماه واحتجابه {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104] بل الله تعالى حفيظ عليكم لأنكم وسائر شؤونكم به موجودون {وكذلك نُصَرّفُ الايات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 105] قال ابن عطاء أي حقيقة البيان وهو الوقوف معه حيث ما وقف والجرى معه حيث ما جرى لا يتقدم بغلبته ولا يتخلف عنه لعجزه، وقال آخر: المعنى لقوم يعرفون قدري ويفهمون خطابي لا من لا يعرف مكان خطابي ومرادي من كلامي {اتبع مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} قيل: هو إشارة إلى وحي خاص به صلى الله عليه وسلم لا يتحمله غيره أو إشارة إلى الوحي بالتوحيد ولذا وصف سبحانه نفسه بقوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} ثم قال جل شأنه: {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} [الأنعام: 106] المحجوبين بالكثرة عن الوحدة {وَلَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكُواْ} [الأنعام: 107] بل شاء سبحانه إشراكهم لأنه المعلوم له جل شأنه أزلا دون إيمانهم ولا يشاء إلا ما يعلمه دون ما لا يعلمه من النفي الصرف {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} بل أرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن {فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} بأن يسبوكم وأنتم أعظم مظاهره {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] إذ هو الذي طلبوه منا بألسنة استعدادهم الأزلي ومن شأننا أن لا نرد طالبًا {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءتْهُمْ ءايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا} أي أنهم طلبوا خوارق العادات وأعرضوا عن الحجج البينات لاحتجابهم بالحس والمحسوس {قُلْ إِنَّمَا الايات عِندَ الله قُلْ إِنَّمَا الايات عِندَ الله وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109] لسبق الشقاء عليهم {وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم} لاقتضاء استعدادهم ذلك {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} حين أعرضوا عن الحجج البينات أو في الأزل {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} الذي هو لهم قتضى استعدادهم {يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110] يترددون متحيرين لا يدرون وجه الرشاد {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 33].
|